||
اخر ألاخبار
المتواجدون حالياً
المتواجدون حالياً :38
من الضيوف : 38
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 35272803
عدد الزيارات اليوم : 20417
أكثر عدد زيارات كان : 59321
في تاريخ : 18 /01 /2020
تعديل الدستور

يوصف الدستور بأنه القانون الأعلى للدولة ، من هنا فإن تعديل هذا القانون أمر لا غنى عنه لمسايرة المتغيرات والمستجدات التي قد تطرأ على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة، إلا أن طريق تعديل الدستور تختلف باختلاف كون الدستور مرنا أو جامد بل وتختلف من دستور جامد لأخر تبعا لصعوبة وتعقيد الإجراءات الواجب إتباعها في التعديل .

في حين أن الدساتير المرنة تعدل بذات الإجراءات الواجب أتباعها في تعديل القانون العادي، ومن قبل ذات السلطة أحيانا ، وبالتالي يتلاشى الفارق بينها وبين القانون العادي في هذا الجانب ومن الأمثلة التقليدية للدساتير المرنة الدستور الإنجليزي ، مع ملاحظة إن صفة المرنة لا تقترن وجودا وعدما بالدساتير غير المدونة ، فقد يكون الدستور مدونا ومرنا في ذات الوقت حينما لا يشترط المشرع في تعديله إجراءات خاصة ، ومن ذلك الدستور الفرنسي لسنة 1814 ودستور سنة 1830 والدستور الإيطالي لسنة 1848 والدستور السوفياتي لسنة 1918 ودستور ايرلندا الحرة لسنة 1922.

المبحث الأول : السلطة المختصة بالتعديل

المطلب الأول : موقف الفقه من تحديد السلطة المختصة بتعديل الدستور

تباين موقف الفقه من تحديد السلطة المختصة بتعديل الدستور وظهرت ثلاث اتجاهات بهذا الصدد:

الاتجاه الأول : تخويل صلاحية التعديل للشعب

يذهب الاتجاه الأول ، إلى أن تعديل الدستور لا بد أن يقترن بموافقة مجموع الشعب ، على أساس أن تعديل الدستور هو بمثابة تعديل شروط العقد الاجتماعي الذي ولي الحاكم السلطة بموجبه ، وحيث إبرام هذا العقد بإرادة مجموع الأفراد في المجتمع فإن تعديله لا بد أن يقترن بموافقتهم جميعا.

والملاحظ أن هذا الرأي ينتهي إلى الجمود المطلق للدستور ، حيث إن الإجماع ضرب من ضروب الخيال، وهو أمر أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع ، ونتيجة لأدراك أصحاب هذا الرأي لهذه الحقيقة تحولوا عن شرط الإجماع، واكتفوا بالأغلبية لإجراء لتعديل ، ولأقلية الحق في الانفصال عن الجماعة .

ويذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى جواز تعديل الدستور ، إذ ورد نص فيه يجيز ذلك ، لأن التعديل في هذه الحالة لا يعدو أن يكون تنفيذا لشرط من شروط العقد الاجتماعي ، ومن الدساتير التي أناطت للشعب صلاحية التعديل عن طريق الاجتماعي ، ومن الدساتير التي أناطت للشعب صلاحية التعديل عن طريق الاستفتاء ( الشعب) الدستور الفرنسي النافذ لسنة 1958 والدستور المصري لسنة 1956 ودستور سنة 1971.

 

الاتجاه الثاني : تخويل صلاحية التعديل لأغلبية الشعب أو البرلمان

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن صلاحية تعديل الدستور لا تخول إلا لغالبية الشعب أو للبرلمان ، وأول من قال بهذا الرأي الفقيه الفرنسي هو يرى إن الأمة صاحبة السيادة ، تملك تعديل الدستور كما أصدرته من قبل دون التقيد بشكل معين لأجرائه ، فإرادة الأمة هي القانون الأعلى أيا كان شكلها وطريقة التعبير عنها ، من هنا للأمة التعبير عن إرادتها في التعديل بصورة مباشرة أو من خلال ممثليها في البرلمان أو الدمعية التأسيسية .

الاتجاه الثالث : الدستور هو الذي يحدد الجهة المختصة بالتعديل

يمثل هذا الاتجاه الرأي الغالب في الفقه ، ويذهب القائلين به إلى أن الدستور هو الذي يحدد السلطة المختصة بالتعديل .

وأول من قال بهذا الرأي الفقيه الفرنسي جان جاك روسو ، الذي ذهب إلى أن ما يتنافى وطبيعة الأشياء أن تفرض الأمة على نفسها قوانين لا تستطيع تعديلها أو إلغاؤها ، ولكن ما لا يتنافى وطبيعة الأشياء أن تلتزم الأمة بالشكليات الرسمية لإجراء التعديل .

ويميز أصحاب هذا الرأي بين السلطة التأسيسية الأصلية والسلطة التأسيسية المنشأة التي قد تكون السلطة التشريعية ذاتها ، فالسلطة التأسيسية المنشأة ملزمة عند إجراؤها التعديل، بالشكليات التي حددتها السلطة التأسيسية الأصلية في الدستور، مراعاة لمبدأ سمو الدستور وأعلويته  على القوانين العادية ، وتبنت العديد من الدستور ، مراعاة لمبدأ سمو الدستور وأعلويته على القوانين العادية ، وتبنت العديد من الدساتير هذا الرأي ، ومن بينها الدستور الأردني النافذ لسنة 1952 والدستور الأمريكي لسنة 1787 والدستور الصيني لسنة 1982 والدستور الروسي لسنة 1993.

المطلب الثاني: موقف الأنظمة الدستورية من تحديد السلطة المختصة بتعديل الدستور

توزعت الدساتير ، في تحديدها وتنظيمها السلطة التأسيسية المنشأة بين ثلاث اتجاهات ، الأول خولها للسلطة التشريعية ، والثاني منحها لجمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب ،أما الاتجاه الثالث من الدساتير ، فأوجب موافقة الشعب على التعديل كي يصبح نافذا .

الاتجاه الأول : منح السلطة التأسيسية المنشأة للبرلمان

يمنح الاتجاه الأول من الدساتير السلطة التأسيسية المنشأة للبرلمان ، على أن يمارسها وفقا لإجراءات خاصة تختلف عن تلك التي يتم أتباعها في تعديل القانون العادي ، وتباينت الدساتير التي اختطت هذا الطريق في الإجراءات التي أوجبت أتباعها في التعديل

فالدستور الفرنسي لسنة 1875 أوجب اجتماع البرلمان بمجلسيه في هيئة مؤتمر عند التصويت على التعديل ، ولا يصبح التعديل نهائيا إلا إذا أيدته أغلبية الثلثين في المجلسين .

أما الدستور الأردني النافذ لسنة 1952 والدستور الألماني لسنة 1949 فقد اشتراطا لتعديل الدستور توافر أغلبية خاصة في مجلسي البرلمان تختلف عن الأغلبية الواجب توافرها لتعديل القانون العادي .

واشتراط القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 لتعديل الدستور ، حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة على أن يعرض مشروع التعديل على المجلس الجديد ولا يصبح التعديل نهائيا إلا إذا أيدته أغلبية الثلثين في هذا المجلس .

الاتجاه الثاني : منح السلطة التأسيسية المنشأة لجمعية تأسيسية

منح الاتجاه الثاني من الدساتير السلطة التأسيسية المنشأة لجمعية تأسيسية يجري إنشاؤها خصيصا لهذا الغرض، ومثلت هذا الاتجاه غالبية دساتير أمريكا اللاتينية وبعض دساتير الولايات الأمريكية .

الاتجاه الثالث : منح السلطة التأسيسية المنشأة للشعب

اشترط الاتجاه الثالث من الدساتير لنفاذ التعديل اقترانه بموافقة الشعب في استفاء عام يجري على التعديل ، بغض النظر عن الجهة التي اقترحت التعديل واعدت مشروعه سواء أكانت جمعية تأسيسية أم البرلمان ذاته .

ومن الدساتير التي تبنت هذا الاتجاه ، الدستور السويسري لسنة 1874 ودستور الجمهورية الخامس الفرنسية لسنة 1958، فقط أناطت المادة ( 89/2) منه حق اقتراح التعديل لكل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان بمجلسيه ، على أن يعرض الاقتراح على البرلمان لإبداء الرأي فيه ، ولا يصبح التعديل نافذا إلا بعد بموافقة الشعب عليه في استفتاء شعبي .

البحث الثاني : نطاق التعديل

جرى العمل في بعض الدساتير على النص على حظر تعديل بعض نصوصه بصفة مطلقة أو خلال مدة معينة من تاريخ نفاذه أو في ظل ظروف معينة تمر بها الدولة.

ويثار التساؤل بشأن القيمة القانونية لهذه النصوص، وكان الفقه قد طرح عدة آراء بشأن هذه المسألة البالغة الأهمية ، وعلى التفصيل التالي:

المطلب الأول : الحظر الموضوعي ( حظر تعديل بعض نصوص الدستور)

يقصد بالحظر الموضوعي، حظر تعديل بعض نصوص الدستور بصفة مطلقة ، أو خلال فترة معينة من تاريخ نفاذه ، بقصد المحافظة على دعائم النظام السياسي الذي يقيمه الدستور أو المحافظة على بعض القيم والمبادئ العليا للمجتمع .

الفرع الأول : الحظر الموضوعي النسبي المطلق

في هذا النوع من الحظر ينص الدستور على تحريم تعديل بعض نصوصه بصفة مطلقة ، من ذلك النص على حظر تعديل شكل نظام الحكم ، ومن بين الدساتير التي نصت على هذا الحظر صراحة ، الدستور البرازيلي لسنة 1934 الذي نص على حظر تعديل الشكل الجمهوري الفدرالي للدولة ، والدستور الإيطالي الذي نص على حظر تعديل النظام الجمهوري ، ومثل هذا الحظر ورد في الدستور الفرنسي لسنة 1946، ودستور سنة 1958، والدستور التركي لسنة 1961، ودستور سنة 1982 والدستور اليوناني لسنة 1927 والدستور المصري لسنة 1923 الذي نص على حظر تعديل النصوص المتعلقة بالنظم البرلماني ونظام العرش ، والدستور الليبي لسنة 1951 الذي نص على حظر تعديل شكل الدولة الملكي ونظام وراثة العرش ، والدستور الكويتي لسنة 1962 الذي نص على حظر تعديل النصوص الدستور الخاصة بالنظام الملكي .

ومن قبيل الحظر الموضوعي المطلق أيضا ، النص على حظر تعديل النصوص الخاصة بدين الدولة ، ومثل هذا الحظر ورد في الدستور المغربي لسنة 1972، والدستور الجزائري لسنة 1976.

الفرع الثاني : الحظر الموضوعي النسبي المؤقت

يقصد بهذا الحظر ، تحريم تعديل بعض نصوص الدستور في أحوال معينة ، من ذلك النص على حظر تعديل النصوص الخاصة بحقوق الملك ووراثة العرش خلا لفترة الوصايا على العرش ، ومن بين الدساتير التي أشارت إلى ذلك صراحة الدستور الأردني لسنة 1952، والدستور المصري لسنة 1923والقانون الأساسي العراقي لسنة 1925 والدستور الكويتي لسنة 1962.

المطلب الثاني : الحظر الزمني

يقصد بهذا الحظر ، تحريم تعديل بعض نصوص الدستور خلال فترة معينة من تاريخ نفاذه ، أو في ظل ظروف طارئة تمر بها الدولة كالحرب مثلا .

الفرع الأول : الحظر الزمني اللاحق لنفاذ الدستور

يهدف هذا الحظر إلى إضفاء صفة الثبات والاستقرار على نصوص الوثيقة الدستورية ، ومثل هذا الحظر يجري النص عليه عادة في الدساتير التي تعلن في أعقاب إعلان استقلال الدولة، أو في دساتير الدولة حديثة النشأة ، ومن الدساتير التي نصت على هذا الحظر ، الدستور الأمريكي الذي نص على حظر تعديل نصوصه قبل سنة 1808 والقانون الأساسي لسنة 1925 الذي حظر تعديل بعض نصوصه خلال مدة خمس سنوات من تاريخ نفاذه ، والدستور المصري لسنة 1930، والذي حظر تعديل أحكامه قبل مضي عشر سنوات ، والدستور السوري لسنة 1950 الذي حظر تعديل نصوصه قبل مضي سنتين على نفاذه ، والدستور الكويتي لسنة 1962 الذي حظر تعديل نصوصه قبل مضي خمس سنوات من تاريخ العمل بأحكامه .

الفرع الثاني : حظر تعديل الدستور في ظل ظروف معينة

جرى النص في بعض الدساتير على حظر تعديل نصوصه ، إذا كانت الدولة تخضع لظروف استثنائية ، كاشتراكها في حرب أو خضوعها للاحتلال أو اضطراب أوضاعها  الداخلية أو تهديد أمنها الخارجي .

وعلة هذا الحظر ، هو أن  إرادة الأمة قد تكون مقيدة لا تستطيع التعبير عن رغباتها بحرية بعيد عن التأثير ، وبالتالي يأتي التعديل مخالفا لإرادة الشعب واتجاهات الرأي العام ، ومثل هذا الحظر ورد في الدستور الفرنسي لسنة 1946 الذي حرم التعديل أثناء احتلال كل أو جزء من الأراضي الفرنسية ودستور سنة 1958 الذي حظر أي تعديل من شأنه المساس بسلامة إقليم الدولة .

المطلب الثالث: القيمة القانونية للنصوص التي تحظر التعديل

أتفق الفقه على بطلان النصوص التي تقضي بالحظر المطلق الكلي، إلا أنه أختلف بشأن مشروعية النصوص التي تقضي بالحظر النسبي ، سواء تلك التي تقتضي بحظر تعديل بعض نصوص الدستور بصفة دائمة ،أو تحظر تعديلها خلال فترة زمنية معينة أو في أحوال أو ظروف معينة ، وعلى التفصيل التالي:-

الاتجاه الأول : بطلان حظر التعديل النسبي

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى بطلان النصوص التي تقضي بالحظر النسبي بصفة دائمة أو خلال فترة معينة ، ومثل هذه النصوص لا تعدو أن تكون مجرد رغبات وأماني لا تتمتع بأية قيمة قانونية أو سياسية ، وهي ولدت ميتة لمخالفتها طبيعة القواعد القانونية ، فمن خصائص القاعدة القانونية قابليتها للتعديل مسايرة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والدستور هو قانون كسائر القوانين الأخرى وكل ما يتميز به هو أعلويته وسموه فقط ، هذا إضافة إلى أن حرمان الأمة من حق التعديل يتنافى وسيادتها .

ويضيف أنصار هذا الاتجاه ، حجة  أخرى تقضي بأن السلطة التأسيسية التي وضعت الدستور في وقت معين ليست أعلى من السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في وقت لاحق ، ومن هنا ليس للسلطة الأولى تقيد الثانية وإن تعلق هذا التقيد بتعديل بعض نصوص الدستور أو كلها خلال فترة معينة ، وعلى هذا الأساس تعد سائر النصوص التي تقضي بالحظر نصوص باطلة ولا تمتع بأية قيمة قانونية وللأمة إدخال ما تشاء من التعديلات على الدستور وفي أي وقت تشاء دون أن يمنعها من ذلك قيد من القيود.

الاتجاه الثاني : مشروعية حظر التعديل

يذهب أنصار هذا لاتجاه ، إلى أن النصوص التي تقضي بالحظر النسبي أو الكلي المؤقت ، هي نصوص مشروعة من الناحية القانونية .

إذ يميز أنصار هذا الاتجاه في مشروعية الحظر بين الناحية القانونية والسياسية ، فهذا  الحظر على حسب رأيهم مشروعة من الناحية القانونية ، وباطل من الناحية السياسية كونه يتعارض ومبدأ سيادة الشعب، فحيث أن الشعب هو صاحب السيادة ، له تعديل أو إلغاء ما قرره في أي وقت هذا إضافة إلى أن أفراد الشعب في حالة من التغير المستمر ومن غير المقبول أن يقيد جيل معين الأجيال اللاحقة له .

أما من الناحية القانونية فإن هذا الحظر يعد مشروعا ، صحيح إن الأمة هي صاحبة السيادة إلا أنها مقيدة في استعمال سيادتها وسلطانها في الحدود التي رسمها الدستور ، وبالتالي لا يجوز أجراء أي تعديل إلا في الحدود التي رسمها ، ومن غير المتصور قيام إحدى السلطات بعمل يخالف أحكام الدستور إلا إذا كانت تبغي من وراء ذلك القيام بانقلاب أو ثورة.

هذا ويقر بعض أنصار هذا الاتجاه بمشروعية تجاوز الحظر الذي تفرضه بعض النصوص إذا كان هذا الحظر يتفق مع روح الدستور وحكمته ، وعلى سبيل المثال إن القانون الأساسي العراقي لسنة 1925يحظر تعديل كل ما يتعلق بحقوق الملك ووراثته خلال فترة الوصايا على العرش حفاظا على حقوق الملك، وحصل إن أدخل تعديل على تلك النصوص خلال فترة الوصايا على العرش، وأيدت المحكمة العليا آنذاك هذا التعديل بحجة أنه يمنح الملك امتيازات وحقوق إضافية وهو ما يتفق والحكمة من الحظر الذي نص عليه الدستور.

الاتجاه الثالث : التمييز بين أنواع الحظر النسبي

يميز أنصار هذا الاتجاه في حظر التعديل بين الحظر الزمني وحظر التعديل في ظل ظروف معينة والحظر الموضوعي النسبي المطلق، فيقرون مشروعية الحظر الزمني والحظر في ظل ظروف معينة ، وينكرون الحظر الموضوعي النسبي المطلق ويجردونه من أية قيمة قانونية .

فالحظر الزمني على حساب رأيهم حظر مشروع كونه يرمي إلى إضفاء صفة الاستقرار والثبات على نصوص الدستور وبما يتلاءم مع سموه وأعلويته على سائر القوانين الأخرى .

كما يعد حظر التعديل في ظل ظروف معينة ، كالحرب أو الاحتلال حظر مشروع أيضا حيث تكون إرادة الأمة مكبلة ولا تستطيع التعبير عن رغباتها بصورة واقعية .

أما الحظر الموضوعي النسبي المطلق ، فهو حظر غير مشروع كونه يتعارض مع مبدأ سيادة الأمة وحقها في التعبير عن رأيها بحرية كاملة ، كما أنه يصادر إرادة الأجيال القادمة بصورة نهائية ، ومن المسلم به أنه ليس لإرادة الأجيال الحاضرة أعلوية على إرادة الأجيال القادمة لكي تقيدها أو تصادر إرادتها في التعبير عن رأيها .

ويتفق الحظر الموضوعي النسبي المطلق والحظر الموضوعي الكلي المطلق ، والذي يجمع الفقه على تحريمه ، في أنه صادر حرية الأمة في التعبير عن رأيها إلا أنه يختلف عنه في نطاق الحظر فقط ، فالأول جزئي والثاني كلي .

وفي ضوء الآراء الثلاث سالفة الذكر ، نرى أن أقرب الآراء إلى المواقع وأكثرها اتفاقا مع منطق الأشياء ومبدأ المشروعية وسمو الدستور، الرأي الثاني الذي يقر بمشروعية الحظر ، لأن هذا الرأي وإن كان يتعارض من الناحية الفلسفية والسياسية مع مبدأ سيادة الأمة ، إلا أنه حظر مشروع من الناحية القانونية مراعاة لمبدأ سمو الدستور، فسلطات الدولة ليس لها أن تمارس صلاحياتها إلا في الحدود التي رسمها لها الدستور ، وبالتالي هي ملزمة بإجراءات ونطاق التعديل الذي نص عليها ، والقول بغير ذلك يعني الخروج عن مبدأ المشروعية والغاية من وجود الدستور .

المبحث الثالث : إجراءات التعديل

تختلف إجراءات تعديل الدستور من دولة لأخرى ، ويرجع هذا الاختلاف إلى اعتبارات سياسية وفنية .

فمن حيث الاعتبارات السياسية ، يراعى في إجراءات التعديل طبيعة نظام الحكم في الدولة ، ففي الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني يأخذ بنظر الاعتبار رأي البرلمان والحكومة ، وفي الدول التي تأخذ بنظام الديمقراطية شبه المباشرة يراعي في التعديل رأي الشعب والبرلمان معا ، أما في الدول التي تأخذ بالنظام الفدرالي فيراعى في التعديل رأي الدويلات التي يتكون منها الاتحاد.

أما من حيث الاعتبارات الفنية في أساليب الصياغة ، فقد تأخذ الدساتير بمبدأ توازي أو تقابل الأشكال القانونية ومقتضى هذا المبدأ عدم جواز تعديل العمل القانوني إلا بمقتضى ذات الإجراءات والأشكال التي أتبعت في إصداره .

وتطبيق هذا المبدأ على تعديل الدستور يقتضي إسناد مهمة التعديل إلى ذات الجهة التي تولت وضع نصوص الوثيقة الدستورية والتي عليها أتباع ذات الإجراءات التي أتبعتها في وضع نصوص هذه الوثيقة .

على ذلك إن وضع نصوص الوثيقة الدستورية من قبل جمعية تأسيسية منتخبة وإبداء الشعب رأيه فيها في استفتاء عام ، يقتضي بالضرورة الا يجري تعديلها إلا من قبل جمعية منتخبة أيضا مع موافقة الشعب على هذا التعديل ومثل هذا ما جرى عليه نص دستور الجمهورية الفرنسية لسنة 1958، والدستور المصري النافذ لسنة 1971.

أما إذا تم وضع نصوص الوثيقة الدستورية من قبل جمعية تأسيسية منتخبة فقط ، فإن تعديلها يتم من قبل ذات الجمعية أو من قبل جمعية تأسيسية منتخبة أخرى مثل هذا الإجراء نص دستور الجمهورية الفرنسية الثانية لسنة 1848.

والملاحظ أن قاعدة توازي أو تقابل الأشكال القانونية ، نادرا ما يتم اللجوء إليها في تعديل الدستور في الوقت الحاضر ، نظرا للصعوبات والعوائق التي تضعها في طريق التعديل ، إذ ليس من اليسير اختيار جمعية تأسيسية منتخبه لوضع نصوص التعديل في كل مرة يراد بها تعديل الدستور ، من هنا يلجأ واضعو الدستور عادة إلى طرق أكثر يسرا لإجراء التعديل ، كاللجوء إلى لجنة فنية متخصصة لوضع مشروع التعديل وعرضه على الشعب لإبداء الرأي فيه أو منح هذه الصلاحية للسلطة التشريعية مع اشتراط إجراءات خاصة في التعديل تختلف عن تلك المتبعة في تعديل القانون العادي .

وبصفة عامة وبغض النظر عن تباين الأنظمة الدستورية واختلاف الإجراءات التي تتبعها في تعديل الدستور ، يمر التعديل بأربع مراحل ، هي مرحلة الاقتراح ، وإقرار مبدأ التعديل ، وإعداد التعديل ، وأخيرا إقرار التعديل بصفة نهائية .

المطلب الأول : اقتراح التعديل

اقتراح التعديل ، هو أول مراحل تعديل الدستور ،وتتباين الدساتير في تحدديها الجهة المختصة باقتراح التعديل ، فمن الدساتير من خول هذه الصلاحية للحكومة وحدها ، ومنها من خولها للبرلمان على وجه الانفراد ، ومنها من جعلها اختصاصا مشتركا بين الحكومة والبرلمان ، ومن الدساتير من خول هذه الصلاحية للشعب ذاته .

ومنح صلاحية اقتراح التعديل لأي سلطة يعني ترجيح كفتها على باقي السلطات وعلى التفصيل التالي :-

أولا: إذا كان الدستور يميل إلى ترجيح كفة البرلمان على الحكومة ، فإنه يخول صلاحية اقتراح التعديل للبرلمان ، وهذا ما أخذ به الدستور الفرنسي لسنة 1791والدستور الأمريكي لسنة 1787والدستور العراقي لسنة 1970 والدستور الأرجنتيني لسنة 1853 والدستور البرازيلي لسنة 1967 والدستور الكولومبي والدستور والفنزويلي والدستور والإكوادوري.

ثانيا: إذا كان الدستور يميل إلى ترجيح كفة الحكومة على البرلمان ، فإنه يخول صلاحية اقتراح التعديل للحكومة ، وهذا ما أخذ به الدستور البرتغالي لسنة 1933 والروماني لسنة 1938 والدستور الياباني لسنة 1946.

ثالثا: إذا كان الدستور يسعى إلى تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فإنه يمنح صلاحية اقتراح تعديل الدستور للسلطتين على وجه الاشتراك ، ومن الدساتير التي تبنت هذا الاتجاه الدستور المصري لسنة 1923 والقانون الأساسي العراقي ، والدستور اللبناني والدستور الأسباني لسنة 1931 والدستور المصري لسنة 1956والدستور المصري لسنة 1971 والدستور الكويتي .

رابعا :إذا كان الدستور يسعى إلى إبراز دور الشعب في مباشرة السلطة ، فإنه يمنح الشعب إلى جانب البرلمان حق اقتراح التعديل ، وهذا ما أخذت به غالبية دساتير الولايات في الاتحاد الفدرالي ، كدساتير ولايات الاتحاد السويسري ودساتير بعض الولايات الأمريكية ودستور فايمر الألماني لسنة 1919 لكن هذا الاتجاه ليس حكرا على دساتير الدول الفدرالية، فمن دساتير الدول الموحدة من تبني هذا الاتجاه أيضا كالدستور الإيطالي لسنة 1947، حيث خولت المادة السابعة منه البرلمان والحكومة وعدد من الأفراد لا يقل عن ( 50000) حق اقتراح تعديل الدستور 

المطلب الثاني : إقرار مبدأ التعديل

تمنح غالبية الدساتير ، البرلمان صلاحية إقرار مبدأ التعديل ، أي الفصل في مدى الحاجة إلى إجراء التعديل من عدمه ، ولهذا المسلك ما يبرره إذ يمثل البرلمان الأمة ، وهو بهذا الوصف أكثر السلطات صلاحية للفصل في مدى الحاجة إلى التعديل .

ومن الدساتير التي تنبت هذا الاتجاه ، الدستور الفرنسي لسنة 1791ودستور سنة 1848 ودستور سنة 1875 ودستور 1946 إضافة إلى معظم الدساتير الأوربية التي صدرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، كالدستور البلجيكي والدستور الدنيماركي ، والدستور النرويجي كما أخذت بهذا الاتجاه دساتير الدول ذات النزعة الاشتراكية .

وتشترط بعض الدساتير إضافة إلى إقرار البرلمان لمبدأ التعديل ، موافقة الشعب عليها ، كما في دساتير الولايات السويسري والأمريكية.

المطلب الثالث : إعداد التعديل

تمنح غالبية الدساتير صلاحية إعداد التعديل للبرلمان ، وتعهد بعض الدساتير بهذه المهمة لهيئة منتخبة خصيصا لهذا الغرض كما في الدساتير الفرنسي لسنة 1793والدستور الأرجنتيني لسنة 1853 وتخول قلة من الدساتير هذه الصلاحية للحكومة .

وتشترط الدساتير التي عهدت بهذه المهمة للبرلمان توافر عدة شروط :-

  1. اجتماع مجلسي البرلمان إذا كان مكونا من مجلسين بهيئة مؤتمر كما في الدستور الفرنسي لسنة 1875 والدستور الروماني لسنة 1923.
  2. اشتراط حضور أغلبية خاصة لصحة انعقاد البرلمان،واشتراط أغلبية خاصة أيضا لصحة القرار الصادر منه ، كما في الدستور الكولومبي ، والمكسيكي، ودستور بيرو.
  3. حل البرلمان ، وانتخاب مجلس جديد يتولى مهمة التعديل ، كما في القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 والدستور الهولندي والدستور النرويجي .

المطلب الرابع : إقرار التعديل بصفة نهائية

تعهد غالبية الدساتير بمهمة التعديل بصفة نهائية التي تولت إعداده ، سواء أكانت هذه الهيئة هيئة منتخبة خصيصا لهذا الغرض أو كان البرلمان ، أو الحكومة في الدول التي تعهد بمهمة إعداد التعديل للحكومة .

وتمنح بعض الدساتير صلاحية إقرار التعديل بصفة نهائية للشعب ذاته عن طريق الاستفتاء الدستوري كما في الدستور السويسري لسنة 1874 والدستور المصري لسنة 1971.

الكاتب: nibal بتاريخ: الثلاثاء 18-12-2012 08:25 مساء  الزوار: 31039    التعليقات: 0



محرك البحث
الحكمة العشوائية

قال تعالى: {لَن تَنَالوا البِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
تطوير تواصل بإستخدام برنامج البوابة العربية 3.0 Copyright©2012 All Rights Reserved