||
اخر ألاخبار
المتواجدون حالياً
المتواجدون حالياً :27
من الضيوف : 27
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 35189255
عدد الزيارات اليوم : 13408
أكثر عدد زيارات كان : 59321
في تاريخ : 18 /01 /2020
مدلول الدولة وأركانها

المبحث الأول : تعريف الدولة

أثار تعريف الدولة خلافا فقهيا طويلا ، فقد عرفها الفقيه الفرنسي كاريه دومال بيرك بـأنها      ( مجموعة من الأفراد مستقرة في إقليم ولها من التنظيم ما يجعل لهذه الجماعة في مواجهة الأفراد سلطة عليا آمرة وقاهرة ) وعرفها الفقيه سالموند بأنها ( مجموعة من الأفراد مستقرة على إقليم محدد لإقامة السلام والعدل عن طريق القوة ) وعرفها أيسمن بأنها ( التشخيص القانونيلأمة ) وعرفها بونارد بأنها (وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية تباشر سلطات قانونية معينة إزاء أمة مستقرة على اقليم بأساليب تقوم على إرادتها وحدها عن طريق القوة المادية التي تحتكرها ) وعرفها هولند بأنها (مجموعة من الأفراد يقطنون إقليما معينا ويخضعون لسلطة الأغلبية أو سلطة طائفة منهم ) وعرفها الدكتور كمال الغالي بأنها ( مجموعة من الأفراد تعيش على وجه الدوام في إقليم معين وتخضع لسلطة عامة ومنظمة ) وعرفها الدكتور عبد الحميد متولي بأنها ( عبارة عن ذلك الشخص المعنوي الذي يمثل قانونا أمة  تقطن أرضا معينة وبيده سيطرة على السلطة العامة) ونعرف بدورنا الدولة بأنها ( تنظيم سياسي له صفة الدوام يضم مجموعة من الأفراد يقطنون إقليم معين ويخضعون لسلطة سياسية).

المبحث الثاني : نشأة الدولة

يعد البحث في أصل نشأة الدولة من المواضيع التي أثارت ومازالت تثير الكثير من النقاشات ،  التي وصلت في الكثير من الأحيان إلى طريق مسدود، وهذا ما دفع الكثير من الباحثين إلى الأحجام عن البحث في هذا الموضوع .

وتنبع صعوبة البحث في هذا الموضوع، من كون الدولة قد مرت بتطورات كثيرة ومراحل متعددة قبل وصولها إلى ما هي عليه الآن ، هذا إضافة إلى أن الظروف التي تحكم الدولة تختلف من دولة لأخرى ومن عصر لأخر .

وطرحت عدة نظريات في أصل نشأة الدولة ، سنبحث فيها تباعا وعلى التفصيل الآتي .

المطلوب الأول: النظرية الثيوقراطية ( الدينية )

ترجع هذه النظرية أصل نشأة الدولة إلى الله عز وجل ، فمصدر السلطة حسب هذه النظرية ، الله الذي هو وحده صاحب السيادة وإلية ترجع السلطة الآمرة. من هنا طالب أنصار هذه النظرية بتقديس السلطة فالحاكم حسب هذه النظرية  ما هو إلا وسيلة لتنفيذ الإدارة والمشيئة الإلهية ، الأمر الذي يستتبع أن تكون إرادة الحاكم فوق الجميع .

والملاحظ إن هذه النظرية ، كانت قد لعبت دورا كبيرا في المراحل المتقدمة في تفسير أصل نشأة الدولة ، إذ كانت السلطة والدولة تقوم آنذاك على أسس دينية محضة ، بل إن هذه النظرية وجدت رواجا كبيرا في العصر المسيحي والقرون الوسطى ، ولم تختف أثرها إلا في مطلع القرن العشرين ، ويعود السبب في ذلك إلى المعتقدات والأساطير السائدة آنذاك حيث كان الاعتقاد السائد إن هذا العالم محكوم بقوى غيبية مجهولة يصعب تفسيرها وهذا ما حدا بأنصار هذه النظرية إلى إضفاء القدسية على الحاكم .

ومع اتفاق انتصار النظرية الثيوقراطية على أن السيادة لله ، إلا أنهم اختلفوا في الأسس التي يتم بموجبها اختيار من يزاول السلطة وعلى التفصيل الآتي :-

الفرع الأول : نظيرة الطبيعة الإلهية للحاكم

ظهرت هذه النظرية في المجتمعات البدائية، وبعض الحضارات القديمة وتضفي هذه النظرية وصف الطبيعة الإلهية على الحاكم ، وحيث أن الحاكم هو الإله كان لا بد أن يعبد وتقدم له القرابين ، فالحاكم ما هو إلا آله يعيش وسط البشر ويحكمهم ، ووجدت هذه النظرية لها عدة تطبيقات في الحضارات القديمة ، ومنها الحضارة الفرعونية ، حيث كان الفرعون يعبد آنذاك وأطلق عليه أسم (هوريس) في عهد الأسرتين الأولى والثانية واسم (رع) في عصر الأسرة الرابعة، كما وجدت هذه النظرية تطبيقا لها في الصين ، حيث كانت السلطات الإمبراطور تقوم على أساس ديني ويذهب جانب من الفقه ، إلى أن هذه النظرية طل معمول بها إلى فترات تاريخية متأخرة كان أخرها ما كان مقررا لأباطرة اليابان حتى سنة 1947.

الفرع الثاني : نظرية الحق الإلهي المباشر

تقوم هذه النظرية على أن الله عز وجل خلق كل شيء في الحياة، والدولة إحدى هذه المخلوقات ، وهي من صنعه خلقها بطريقه مباشرة وأقام عليها حكاما من قبله ، وحملها أمانة الحكم على مخلوقاته ( الدولة ومن عليها من البشر ) على ذلك إن الحاكم يستمد سلطاته مباشرة من الإله ، من هنا لا يسأل الحاكم إلا من الإله ، ولا سلطان عليه للإله .

ويرجع جانب من الفقه هذه النظرية إلى رجال الدين المسيحيين في القرنين السابع والثامن عشر ، حيث كانت الشريعة المسيحية تؤكد على كرامة الإنسان والحد من سلطة الملوك الدنيوية ، غير أن هذه الدعوة صاحبها صراع بين الملوك ورجال الدين بنشأة من تكون له السلطة العليا واهتدى رجال الدين وعلى رأسهم ( سان بيير ، وسان بول) إلى تفسير قول المسيح( أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) على أنه دعوى منه لفصل سلطة الدولة الزمنية ، وانتهوا إلى أن السلطة الدنيوية لها سيفان :-

الأول:- سيف السلطة الدينية ويودعه الرب للبابا في الكنيسة .

الثاني :- سيف السلطة الزمنية ويودعه الرب بإرادته المباشرة للإمبراطور.

فالقديس (بولس) كان يقول ، على كل شخص وجوب الخضوع للإمبراطور صاحب السلطة لأن كل سلطة مصدرها الله ، وحيث أن سلطة الحاكم من الله فقد وجبت طاعته ، لأن في معصيته معصية لله .

ولاقت هذه النظرية رواجا في فرنسا حيث اعتصموا بها ملوك فرنسا في خلافاتهم مع البابا ، مدعين بأن سلطتهم منزلة من الله .

ومن بين الملوك الذين تمسكوا بهذه النظرية ، لويس الرابع عشر والخامس عشر الذي كان يشير في مقدمة خطبته ( أننا نتلقى التاج من الله فسلطة عمل القوانين هي من اختصاصنا وحدنا لا يشاركنا في ذلك أحد ولا تخضع مزاولة عملنا لأحد).

الفرع الثالث : نظرية الحق الإلهي غير المباشر ( العناية الإلهية ).

كان من نتائج انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي سيطرة الكنيسة على العالم المسيحي ، ولم يعد الملك يستطيع ممارسة مهام عمله إلا بعد قيام الكنيسة بطقوس تتويجه ومباركة سلطاته ، من هنا كان لا بد من ظهور نظرية جديدة ، تكيف سلطة الحاكم وصلاحياته في توجيه الأوامر للمحكومين ، وإلزام الآخرين بإطاعة هذه الأوامر ، حيث لم تعد نظرية الحق الإلهي المباشر تتماشى والواقع الجديد ، فكانت النظرية الجديدة نظرية الحق الإلهي غير المباشر.

وبمقتضى هذه النظرية إن الله لا يخلق الدولة بصورة مباشرة ، وبالتالي هو لا يقيم الحاكم عليها بصورة مباشرة وإنما يتدخل في خلق الدولة بطريقة غير مباشرة، من خلال توجيه العناية الإلهية الحوادث نحو اختيار شخص معين أو أسرة معينة لتولي السلطة في الدولة ، على ذلك إن الأفراد هم الذين يختارون الحاكم ولكنهم في هذا الاختيار مسيرون وليسوا مخيرون، من هنا لا يعد الحاكم ذات طبيعة إلهية ، إنما هو بشر يتم اختياره بواسطة الأفراد.

لقد لعبت هذه النظرية دورا بالغا في تقييد سلطات الملوك وتدعيم سلطة الكنيسة ممثلة الشعب المسيحي، باعتبارها صاحب الحق في منح سيف السلطة الزمنية للحاكم وسحبه منه .

والملاحظ إن النظريات الثلاث التي تقوم على أساس ديني ، وإن اختلفت في تفسيرها للتدخل الإلهي ، إلا أنها تتفق جميعا في أن مصدر سلطة الحاكم هو الإله ، من هنا تكون السلطة مقدسة لا يمكن مقاومتها ولو كانت مستبدة .

المطلوب الثاني : نظرية التطور العائلي

يذهب أنصار هذه النظرية ، وعلى رأسهم أرسطو وبودان ، إلى أن أصل الدولة يجد أساسه في السلطة الأبوية ، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه ليس له أن يعيش إلا مع غيره ، والأسرة هي الخلية الاجتماعي الأولى التي يعيش فيها الإنسان ، ومن اجتماع مجموعة من الأسر ، نشأت العشيرة ، ومن اجتماع مجموعة من العشائر نشأت القبيلة ، فالقرية والمدينة ، كان كل تنظيم من هذه التنظيمات بحاجة إلى سلطة تحكمه ، وتتناسب طبيعة هذه السلطة وحجم التجمع البشري، حتى وصل التجمع والتنظيم إلى حد ظهرت معه الدولة .

إن هذه النظرية تبدو وكأنها تتفق مع الواقع من حيث حجم التجمع البشري والحاجة إلى التنظيم، إلا أنها تعرضت لانتقادات شديدة ، لأن الأسرة ليست الخلية الأولى للمجتمع ، فالجماعة البشرية وجدت قبل الأسرة ، كما إن هذه النظرية ترجع سلطة الدولة إلى سلطة الأب على أسرته، وهو ما يخالف الواقع حيث سبقت في المجتمعات البدائية سلطة الأم ، سلطة الأب ، إضافة إلى أن سلطة العائلة تختلف بطبيعتها عن سلطة الدولة ، نظرا لكون الأخيرة ( سلطة الدولة ) تبقى مستمرة بعد زوال الأشخاص الحاكمين ، فضلا عن أن سلطة الحاكم ذات طبيعة سياسية في حين إن سلطة رب الأسرة تطغي عليها الاعتبارات النفسية والعاطفية ، أخيرا أن هناك بعض الدول خرجت في تطورها عما تذهب إليه هذه النظرية ، من حيث إن الأسرة تطورت إلى قبيلة ثم إلى قرية فمدينة ، وعلى سبيل المثال إن دولة الفرس والدولة المصرية القديمة لم تمر بنظام المدينة السياسية الذي وجد في بلاد الإغريق .

المطلوب الثالث : نظرية القوة

ترجع هذه النظرية أصل نشأت الدولة إلى القوة ، إذ يرى أنصار هذه النظرية إن الدولة تنشأ حيث يفرض القوى قوته على جميع الأفراد الذين يخضعون لسيطرته وقوته ، ويتحدد مفهوم القوة وفق هذه النظرية بالقوة المادية تحديدا دون قوة الإقناع الذي يسيطر على عقول وسلوك الآخرين في الجماعة الإنسانية .

فقد كان الأفراد في المجتمعات القديمة يستخدمون القوة البدنية لإخضاع الغير لهم ، وطغى على حياتهم طابع الصراع من أجل التسلط والهيمنة ، فنشأة بذلك العشائر والقوى والمدن التي يرأسها أشخاص أقوياء ماديا.

ويذهب الفقيه (بلونارك) إلى إن العالم يخضع لقانون حكم الأقوى ، وذهب بذات الاتجاه (بلنتشي) الذي يرى إن الظفر بالحرب هو بمثابة حكم أصدره الإله لصالح من عقد له النصر ، وفي ألمانيا ذهب (أوبنها يمر) إلى أن الدولة هي نظام إجماعي فرضه الغالب على المغلوب ، أما في فرنسا فقد ذهب الفقيه ( ديجي) إلى أن السلطة في الدولة تكون في يد من يملك القوة.

وما يؤخذ على هذه النظرية، أنها يمكن أن تفسر أصل نشأت الأسرة والعشيرة والقبيلة ، حيث يخضع الأضعف للأقوى ، كما يمكن أن تفسر أصل نشأت الدولة لو كان العالم يسوده حاليا شريعة الغاب كما كان في المجتمعات البدائية ، أما في الوقت الحاضر حيث تسود مبادئ الشريعة والقانونية ، فلا يمكن أن تقدم هذه النظرية تفسيرا صحيحا لأصل نشأت الدولة بدليل أن السلطة الفعلية تبقى سلطة غير مستقرة، بل إن الحاكم الذي يصل إلى سدة الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، أما أن يعلن عن نيته في التخلي عن السلطة إلى من يختاره الشعب ، ومثل هذا ما فعله الفريق سوار الذهب في السودان حيث تخلى عن السلطة للفريق عمر أحمد البشير، وعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الذي قاد الانقلاب على الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطايع. أو أن يعلن عن نيته في استطلاع رأي الشعب بشأن بقاءه في السلطة عن طريق الانتخاب أو الاستفتاء ، ومثل هذا ما يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد ، والرئيس الباكستاني برويز مشرف الذي تولى السلطة أثر الانقلاب العسكري عام 1998.

ونرى إن القائلين بهذه النظرية ، كانوا قد وقعوا في الخلط بين القوة الضرورية اللازمة لحماية أمن الدولة ونظامها ، وبين الوصول إلى السلطة عن طريق القوة، فالأولى (القوة) لا غنى عنها لحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي ، ومن ثم فهي قوة مشروعة لها ما يبررها ، أما الثانية فهي قوة غير مشروعة ، ليس لها ما يبررها سوى الاستبداد والدكتاتورية .

المطلب الرابع : نظرية العقد الاجتماعي

تذهب هذه النظرية إلى أن الدولة نشأت بفعل اتفاق اختياري عقد بين الأفراد للخروج من حالة الفطرة والبدائية التي كانوا يقاسونها ، وهي تفترض أن هناك عهد في التاريخ البشري لم تكن فيه دولة ولا قانون يحكم .

وأنقسم رأي الفقه بشأن أول من قال بهذه النظرية ، فذهب جانب من الفقه إلى أن هذه النظرية تعود إلى فلاسفة القرنين السابع والثامن عشر ، وبالذات توماس هوبز، وجون لوك وجان جاك روسو، في حين يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن هذه النظرية ترجع إلى فترات زمنية بعيدة، وينسبها البعض إلى الفيلسوف أرسطو، حيث أكد على الصفة الرضائية في تكوين الدولة ، كما تعرض فلاسفة القانون الروماني لفكرة العقد الاجتماعي بصدد تحليلهم طبيعة القانون وقبوله من الجماعة ، إلا أن السبب في اقتران هذه النظرية بكل من هوبز، ولوك , وروسو، هو أنهم قاموا بتأصيل هذه النظرية وعرضها بطريقة واضحة .

لقد أتفق هوبز ولوك وروسو على مبدأين ، هما أن الأفراد كانوا يقاسمون في حياتهم البدائية ، وأنهم انتقلوا من حياة الفطرة إلى الحياة المنظمة بموجب العقد .

لكنهم اختلفوا في أطراف العقد ، والتزاماتهم ونتيجة العقد ، وطبيعته ، وسنبحث تفصيلا في أراء الفلاسفة الثلاث .

الفرع الأول: آراء هوبز في العقد الاجتماعي

عاش هوبز في فترة تاريخية تميزت بالاضطرابات في كل من إنجلترا وفرنسا ، مما كان له أبلغ الأثر على فكره الذي كرسه لتأييد الحكم المطلق ، فقد كان هوبز من الشخصيات التي تبحث عن الاستقرار السياسي بأية وسيلة ، وبالرغم من أنه لم يكن ملكيا ولا جهوريا، إلا أنه كان ذا صلة وثيقة بالأسرة الملكية البريطانية في القرن السابع عشر ، لاسيما أنه كان معلما لولي العهد الأمير (تشالز) الذي صار يحمل فيما بعد اسم ( تشالز الثاني ).

لقد سخر هوبز كل كتاباته السياسية لتدعم الملكية المطلقة في إنجلترا ، وإضفاء الشرعية على الحكم المطلق لأسرة (ستيوارت) ومحاربة الادعاءات التي تزعمها (كروميل) ضد الملكية المطلقة ابتغاء تحقيق سيطرة البرلمان على العملية التشريعية وكان ذلك يهدف إلى تحقيق الاستقرار الداخلي للدولة والحد من الأزمات التي كانت تعصف بإنجلترا آنذاك ، لاسيما وأن أسبانيا كانت تهدد إنجلترا بالغزو.

وبنى هوبز أفكاره في العقد الاجتماعي على أساس إن المصلحة الإلزامية هي محرك السلوك الإنساني، فقد تميزت حياة الأفراد بالصراعات لقيامها على العزلة والبدائية والوحشية، وسيطر قانون شريعة الغاب على حياة الأفراد ، وصور الإنسان باعتباره جزأ من هذا العالم لا يسعه إلا أن يخضع لقانون الحركة إذ تتحرك نفسه نحو الأشياء الخارجية التي ترضى رغباته ونوازعه، وينفر من الأشياء التي لا تتفق ودوافعه النفسية ، ومصدر اجتذابه ونفوره هي الأنانية التي تتمثل في حرصه على صون ذاته واجتناب ما يضرها ، كل ذلك جعل من الحياة الإنسانية جحيما قانونه الحرب المستمرة والخوف والشقاء والوحشية.

وللحد من تلك الحالة الفوضوية ، بدأ الإنسان يبحث عن الوسيلة التي تمكنه من الخروج من هذا الواقع إلى حياة يسودها الأمن والاستقرار ،فاهتدى إلى فكرة العقد الاجتماعي، وبموجب هذا العقد يلتزم كل فرد بالتنازل الكلي المطلق والنهائي عن كافة حقوقه وحرياته الطبيعية للسلطة المدنية أيا كان مساوئها واستبدادها ، لأنها مهما بلغت من سوء وطغيان تبقى خيارا أفضل من حياة الفوضى التي كان يعيشها الأفراد قبل هذا التنازل .

ويرى هوبز إن هذا العقد جرى إبرامه بين كل الأفراد في المجتمع إلا الحاكم ، حيث إن الأخير (الحاكم) ليس طرفا في العقد ولكن جرى التنازل له من قبل باقي الأفراد عن كل الحقوق التي يمتلكونها لكي يوفر لهم حياة الأمن والاستقرار.

وحيث إن الحاكم ليس طرفا في العقد فلا يقع عليه أي التزام ولا تثار مسئوليته تجاه الأفراد الذين تنازلوا له عن حقوقهم ، وإن أستبد أو أساء استخدام صلاحياته .

ولا تحد السلطة المطلقة للحاكم إلا بحدود عجزه عن مواصلة عمله الرئيسي وهو كفالة الحياة والأمن لرعاياه ، أو إذا نزل عن الحكم بنفسه ، أو إذا هزم في الحرب وأصبح هو نفسه أسيرا ، في هذه الأحوال للرعية التحرر من التزاماتها السابقة نحو صاحب السيادة .

وما يؤخذ على رأي هوبز إطلاقه سلطات الحاكم التي مما لاشك فيه أنها سوف تدفعه إلى الاستبداد والطغيان هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أنه لم يجعل الحاكم طرفا في العقد ، بل أن العقد يبرم بين الأفراد فقط ، أمام ذلك نتساءل كيف إذا يتعهد الحاكم بضمان الأمن والاستقرار لباقي الأفراد؟ كما أنه خلط بين الدولة والحكومة كونه ينادي بمنح السيادة للحاكم وهذا يعني إن السلطة في يد الحاكم وليست في يد الدولة التي تفوضها له ، وبالتالي فأن تغيير الحاكم يعني فناء الدولة .

الفرع الثاني : آراء لوك في العقد الاجتماعي

عاش جون لوك في عهد تغيرت فيه الأوضاع السياسية في بريطانيا، حث تمكنت الطبقة الأرستقراطية من الإطاحة بالملك وإعادته ، على شرط أن يحكم وفق مبادئ وأسس معينة ، ووفق قيود ليس له تجاوزها .

ولم يكتف الشعب المنتصر بنجاحه في الإطاحة بالحكم المطلق لكنه كان يبحث عمن يؤيده فكريا في الثورة بعد انتصارها ، خلال توضيح مفاهيمها وترسيخ مبادئها في قلوب الأجيال الحاضرة والمتعاقبة .

لقد ساهم لوك وولده في الثورة ضد الملكية المطلقة في إنجلترا، وكان من أهم الشخصيات التي ساهمت في إعلاء شأن الفرد وإبراز أهمية السياسية والاجتماعية .

وسجل لوك في كتابه الحكومة المدنية أفكاره السياسية التي تقوم على مناهضه الحكم المطلق وتعضيد نضال البرلمان ضد الملك وتدعيمه لثورة 1688، باعتبار أن (جيمس الثاني) أخل بشروط العقد الاجتماعي ومن ثم فللشعب الثورة عليه .

ويتفق لوك مع هوبز في أن الإنسان كان يعيش في حياة الفطرة حالة من الفزع والاضطراب وتعارض المصالح والحقوق، إلا أنه يختلف مع في وصف حياة الفطرة ، فقد كان لوك يرى إن الفرد في حياة الفطرة كان ينعم بالخير والسعادة والحرية والمساواة وفق مبادئ يحكمها القانون الطبيعي .

وبالرغم من هذه الحياة الهادئة التي كان يعيشها الإنسان في حياة الفطرة إلا أنه كان يسعى لحياة أفضل ، تتمثل في إقامة دولة تحكمها مبادئ معينة تستند إلى قانون أشمل وأدق من قانون الطبيعة وذلك من أجل الحفاظ على حقوق الأفراد في الدولة ، هذا إضافة إلى أن الإنسان وبالرغم مما كان ينعم به من هدوء واستقرار، إلا أن استمراره ليس مؤكدا ، بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداء من الآخرين فحياته كانت مليئة بالمخاطر المتجددة ، هذا إضافة إلى أن حياة الفطرة كانت تفتقر إلى السلطة تأخذ على عاتقها تنفيذ مبادئ القانون الطبيعي ، من هنا أتفق الأفراد على إبرام عقد من شأنه نقلهم  من حياة الفطرة إلى حياة المجتمع المدني المنظم .

وأطراف العقد عند لوك ، هما الأفراد والحاكم ، وبموجب هذا العقد يتنازل الأفراد عن القدر الضروري من حقوقهم الطبيعية لإقامة السلطة ، مع الاحتفاظ بباقي الحقوق التي على الحاكم حمايتها وعدم المساس بها ، وعلى الحاكم توجيه جهوده لتحقيق الصالح العام واحترام حقوق الأفراد الخاصة ومن بينها حق الملكية ، على ذلك إن هذا العقد يمنح كل من طرفيه حقوق ويفرض عليه التزامات ، وإذا ما أخلى أي طرف بالتزاماته ، كان للطرف الأخر تقويمه، فللشعب عزل الحاكم وللحاكم محاسبة الشعب .

الفرع الثالث : آراء جوان جاك روسو في العقد الاجتماعي

تقوم نظرية العقد الاجتماعي عند روسو على أساس فكرة سيادة الشعب إذ يرى روسو إن الدولة وجدت على اختلاف تشكيلاتها من الأفراد وظهرت هذه التشكيلات بفعل عقد اجتماعي يجري إبرامه بطريق اختياري تارة وبالترغيب تارة أخرى ، وفي كلتا الحالتين يفترض أن هناك أفراد يعيشون حياة الفطرة لكنهم منضبطون بقانون طبيعي .

ويقسم روسو حياة الفطرة إلى قسمين ، الأولى هي حياة الفطرة التي خلق فيها الفرد وظل لآلاف السنين ، وكان الفرد فيها قويا صحيح البدن، ولكن لم يجد فيها إلا القليل الذي يكفيه ولكن مع ذلك كان سعيدا.

أما المرحلة الثانية فقد جاءت نتيجة لظروف خارجية وتطور ملكات الإنسان ، فهو لم يعد يرضى بحياة الفطرة والتشرد ، إنما تطلع إلى حياة الأسرة ، ولم يعد يعيش متحرر من القيم الأخلاقية ، فهو وحد ما هو ضروري لحياته ، وفي هذه المرحلة كان الأفراد أكثر سعادة من المرحلة الأولى ، لكنهم خرجوا منها بفعل اكتشاف الزراعة والتعدين ، حيث تطلب كلاهما الملكية الفردية للأرض، وهذا ما خلق تنافسا شديدا بين الأفراد ، وكان من شأن ذلك أثارت المنازعات بينهم ، من هنا كان لا بد أن يغادر حياة الطبيعة والفطرة إلى حياة الجماعة السياسية.

لقد كان الانتقال من مجتمع الفطرة إلى المجتمع السياسي ، أمر بالغ الأهمية والحساسية لأنه يقتضي بالضرورة إقامة المجتمع الجديد على أسس توفر مزايا أكبر للأفراد من المزايا التي كانت توفرها لهم حياة الفطرة ، إذ كان الأفراد يتمتعون في حياة الفطرة بالحرية والمساواة ، فالفرد قبل العقد الاجتماعي كان يملك حقوقا طبيعية أسبق في المنشأة من المجتمع السياسي الذي أنشأه العقد الاجتماعي .

ويتفق روسو مع لوك في أن الإنسان كان يعيش في حياة الفطرة حياة هادئة تقوم على السلام والمساواة وعدم الاعتداء ، إلا أنه يختلف معه في أسباب إبرام العقد وأطرافه ، فهو يرى أن الأفراد لم يتنازلوا عن حقوقهم إلى الحاكم إلا لخشيتهم من استبداده بفعل التطور المستمر للمجتمع وما ينتج عنه من مظاهر ومغريات ، قد تدفع الحاكم إلى الاستبداد أو تقييد الحريات للاستئثار بما أفرزه التطور.

أما أطراف العقد عند روسو ، هم الأفراد الذين يبرمون العقد مع أنفسهم بصفتهم أفراد منفصلين عن بعضهم وباعتبارهم أفراد متحدين في الجماعة السياسية التي يرغبون في إقامتها ،وبموجب هذا العقد يتنازل كل فرد عن حقوقه الطبيعية لمجموع الأفراد الذين تمثلهم في النهاية الإرادة العامة ، على أن التنازل لا يفقد الأفراد حقوقهم وحرياتهم ، لأن الحقوق والحريات الطبيعية التي جرى التنازل عنها استبدلت بحقوق وحريات مدنية كانت نتاج هذا التنظيم الجديد الذي حل محل حياة الفطرة التي كان يعيشها الأفراد .

والملاحظ على آراء روسو أنها تحرص على وضع السلطة بيد الشعب لا الحاكم ، إذ أن اتفاق الأفراد على تكوين الدولة يعني أن السادة كامنة في إرادتهم الجماعية ، أما الحاكم فهو شخص كسائر الأشخاص الآخرين وكل ما يميزه أنه فرد أسندت إليه حقوق السيادة المعبرة عن الرغبة الجماعية للأفراد، وفي كافة الأحوال ليس للحاكم الخروج عن المصلحة العامة أو فرض أي عمل من شأنه الإخلال بهذه المصلحة ، حيث أن القوانين الطبيعية والوضعية ما وجدت إلا لتحقيق المصلحة العامة .

الانتقادات التي وجهت إلى نظرية العقد الاجتماعي :-

ساهمت نظرية العقد الاجتماعي في أغناء الفكر السياسي وفي تفسيرها ظاهرة الدولة وأساس نشأتها ، وسادت الآراء التي قالت بها هذه النظرية فترة طويلة من الزمن ، إلا أنها لم تسلم من النقد فقد وجد خصومها أن هناك العديد من المأخذ التي تسجل عليها .

  1. إنها فكرة خيالية ، إذا أن حالة الطبيعة التي تفترضها نظرية العقد الاجتماعي لا أساس لها من الواقع ، حيث لم يحدثنا التاريخ عن حالة واحدة نشأت فيها الدولة عن طريق العقد .
  2. إنها غير متوافقة والمبادئ القانونية التي تحكم العقد ، فالعقد، هو ارتباط الإيجاب بالقبول على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ، أي أن العقد توافق إراديتين أو أكثر بقصد أحداث أثر قانوني ، في حين يشير كل من هوبز وروسو إلى أن الحاكم ليس طرفا في العقد .
  3. إنها تسلب الأفراد حرياتهم الطبيعية من أجل إقامة المجتمع السياسي ، في حين إن أساس فكرة العقد الاجتماعي تقوم على أن الفرد حر بطبيعته ويبقى محتفظا بحريته ، وهكذا لا تستقيم بداية الفكرة ونهايتها .
  4. إنها تفترض إن الفرد كان قبل نشأة الجماعة المنظمة يعيش حالة من العزلة ، في حين أن النظريات الاجتماعية أثبتت إن الإنسان لم يكن يعيش مثل هذه الحياة ، فالإنسان اجتماعي  بطبعه يعيش بغيره ومع غيره.
  5. إنها تفسح المجال واسعا لإثارة الفوضى والاضطراب في الدولة ، كونها تمنح الأفراد حق الثورة على الحاكم إذا تجاوز صلاحياته أو أستبد بها ، دون أن تحدد مقياسا أو ضابطا محددا لهذا التجاوز.
  6. إنها غير منطقية ، لأن فحوى العقد يقوم على أن الجماعة انتقلت من حالة الفطرة إلى نظام المجتمع ثم إلى الدولة بموجب العقد ، وهذا يعني إن العقد نفسه هو أصل الدولة ، والمعلوم إن أي عقد لا يكتسب إلزاميته إلا من السلطة ومن غير المقبول إن العقد الذي هو بحاجة إلى حماية السلطة يكون ذاته هو أصل نشأت الدولة .
  7. إذا كان للعقد قوة ملزمة لطرفيه ، فأن ذلك يعني أنه سيكون أبدي وهذا يتعارض والحرية الطبيعية للإنسان التي تضمنتها فكرة العقد الاجتماعي ، فإذا تعاقد الأفراد على إنشاء مجموعة اجتماعية فإنهم يبقون محتفظون بحريتهم الطبيعية وبالتالي يكون لهم حرية فسخ العقد والخروج من الجماعة في أي وقت فإذا عاد الخارجون عن الجماعة واتفقوا فيما بينهم على إنشاء دولة جديدة ، ترتب على ذلك بطبيعة الحال انهيار الدولة القديمة ، فمن غير المقبول قيام دولتين أو أكثر على إقليم واحد.

المطلب الخامس : نظرية التطور التاريخي

قال بهذه النظرية عدد من الفقهاء من بينهم (بارتلمي) و(جازنز) و(سبنسر) ،وبموجب هذه النظرية تنشأ الدولة بموجب مجموعة من العوامل تتفاعل مع بعضها بمرور الزمن وتكون ثمرة هذا التفاعل ظهور الدولة وما عليها من سلطات .

ويرى أنصار هذه النظرية إن العوامل السياسة والاجتماعية والاقتصادية والدينية والعائلية ، تختلف من دولة لأخرى وبالتالي فلا يوجد تفسير واحد لأصل نشأة الدولة ، كما يذهب أنصار هذه النظرية ، إلى إن الدولة حدث اجتماعي لا سند لها من القانون ، نمت وتطورت على مر الزمن حتى وصلت إلى الوضع الراهن ، فهي  لم تخلق من حكام أقوياء، ولم تفرض على المواطنين بالإرغام ، لكنها كانت دائما موجودة بصيغة أو أخرى في جميع المجتمعات الإنسانية.

لقد لاقت هذه النظرية قبولا كبيرا من قبل فقهاء القانون العام ، كونها لم تحدد عاملا بعينه لنشأت وتطور الدولة ، كما أنها أكثر اتفاقا مع المنطق ، إذ إن الدولة نشأت نتيجة تفاعل عدة عوامل ومرت بعدة مراحل حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن .

المبحث الثالث : أركان الدولة

لكي تظهر الدولة إلى الوجود ، كتنظيم قانوني مستقل ، لا بد من توافر ثلاثة أركان ، هي الشعب والإقليم والسلطة ، على ذلك إن انتفاء أي من هذه الأركان ، يعني بالضرورة انتفاء الدولة ، ونتناول في هذا المبحث أركان الدولة تباعا.

 

المطلب الأول : الشعب

 لم تنشأ الدولة إلا نتيجة لوجود جماعة من الناس لها حاجات متعددة سعت إلى إشباعها بمختلف الوسائل .

وينصرف مصطلح الشعب إلى سكان الدولة من حاملي جنسيتها ، أي المجموعة البشرية التي تعيش في ظل سلطة معينة . ولا يشترط لتوافر هذا الركن عدد معين من الأفراد ، فيتحقق هذا الركن إذا زاد عدد الأفراد أو نقص ، وعلى سبيل المثال إن عدد سكان الصين الشعبية ناهز المليار وربع المليار تقريبا ، وشارف عدد سكان الهند على بلوغ المليار ، في حين لا يقطن دولة الفاتيكان إلا عشرة آلاف نسمة تقريبا . 

وعدم تحديد الحد الأدنى لعدد السكان لا يعني قيام هذا الركن مع أي عدد من الأفراد ، فلا يكفي مثلا لتحقق هذا الركن أن يكون عدد السكان عدة مئات فقط ، على ذلك نرى إن العدد الذي يتحقق به هذا الركن ، هو العدد الذي يكون قادرا على النهوض بمستلزمات الدولة المختلفة، السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ...

ونرى أن زيادة عدد السكان أو نقصانه عن الحد المقبول سلاح ذو حدين، فهو عنصر قوة ومنعه للدولة في جانب وعنصر ضعف في الجانب الأخر، فزيادة عدد السكان عنصر قوة للدولة في الجانب العسكري ، ولكنه قد يكون عنصر ضعف في الجانب الاقتصادي ، إذا كانت الدولة محدودة الإمكانات الاقتصادية ، كما في الهند وروسيا الاتحادية مثلا ، ويسرى ذات الحكم على قلة عدد السكان، إذ قد يمثل ذلك عنصر قوة لها في الجانب الاقتصادي كما في بعض دول الخليج العربي وعنصر ضعف في الجانب العسكري والحربي .

والجدير بالذكر ، إن العنصر المميز للشعب ، هو تمتع أفراده بجنسية واحدة وخضوعهم لسيادته دون اشتراط الانتماء لأمة واحدة ، إذ قد يكون شعب الدولة منتميا لأمة واحدة، كالشعب العربي، وقد يكوم منتميا إلى عدة أمم كالشعب السوفيتي السابق والسويسري .

ولا بد من التمييز بين شعب الدولة وسكانها ، فشعب الدولة هم الأفراد الذين يتمتعون بجنسية الدولة بغض النظر عن محل إقامتهم سواء أكانوا مقيمين في إقليم الدولة أو خارجه ، في حين ينصرف معنى سكان الدولة إلى الأفراد المقيمين على إقليم الدولة من حاملي جنسيتها ومن رعايا الدولة الأخرى .

الشعب بمفهومه الاجتماعي والسياسي

ينصرف مفهوم  الشعب بمفهومه الاجتماعي إلى الأفراد الخاضعين لسلطة الدولة والمتمتعين بجنسيتها بغض النظر عن جنسهم وسنهم وثقافتهم ومدى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية .

في حين ينصرف معنى الشعب بمفهومه السياسي ، إلى المواطنين الذين يحق لهم المشاركة في الحياة السياسية للدولة وفي تسيير شؤونها ، على ذلك أن المفهوم الاجتماعي للشعب أوسع من المفهوم السياسي ، إذ يضم الأولى الثاني ، في حين لا يضم الثاني إلا جزء من الأول .

ويتباين نطاق الشعب السياسي ضيقا وأتساعا، تبعا لمدى التمتع بالحقوق السياسية ، إذ تتسع دائرة الشعب السياسي عند الأخذ بمبدأ الاقتراع العام الذي لا يقيده غير الضوابط التنظيمية ، كالجنسية والسن والأهلية ... وتضيق هذه الدائرة عند تطبيق مبدأ الاقتراع المقيد المحكوم بدفع الضريبة الانتخابية والجنس والتعليم والانتماء الطبقي .

الشعب والأمة

الشعب : مجموعة من الأفراد يقطنون إقليم معين ، أما الأمة فهي إلى جانب ذلك تتميز باشتراك أفرادها في عنصر أو عناصر متعددة كاللغة والدين والأصل والرغبة في العيش المشترك.

ويجد مصطلح الأمة، مصدره في كلمة (Nation) التي ظهرت في القرن الثالث عشر، وكانت تعني اجتماع مجموعة من الأفراد على ارض معينة ، وتطور هذا المصطلح في القرن الثامن عشر حيث أصبح واقعا اجتماعيا وسياسيا ثم أنتقل إلى الدولة، وهذا ما أدى إلى اندماج المفهومين في أثناء قيام الثورة الفرنسية ، حيث أصبح يقال الدولة الفرنسية أو الأمة الفرنسية.

ويذهب جانب من الفقه إلى أن مصطلح الأمة ظهر ، مع ظهور وانتشار الإسلام، الذي قضى على كل العوامل المادية والسياسية التي كانت تربط القبائل والشعوب ، وأصبح المحدد الوحيد للانضمام للأمة الدين الحنيف، بغض النظر عن محل إقامة المسلم أو جنسه أو ثقافته أو انحداره القومي أو الأسري .

وكثيرا ما يكون الشعب جزءا من أمة موزعة بين عدة دول كما في الشعب العربي الموزع بين (22) دولة ، وقد يكون شعب الدولة خليط من عدة قوميات ، كما في شعب الإمبراطورية العثمانية والنمساوية، وشعب الاتحاد السوفيتي السابق والشعب السويسري.

وأختلف الفقه في تحديد العوامل التي من شأنها تحويل شعب من الشعوب إلى أمة ، إذ طرحت في هذا الميدان ثلاثة نظريات :-

النظرية الفرنسية : تذهب هذه النظرية إلى أن العنصر الأساسي في تكوين الأمة إرادة العيش المشترك (Vouloir Viure Collectif ) من هنا أطلق على هذه النظرية ، نظرية الإدارة أو المشيئة .

النظرية الألمانية : إن أشهر من قال بهذه النظرية الفقيهان الألمانيان (فيخت) و(هردر) ويذهب أنصار هذه النظرية إلى أن اللغة والأصل المشترك هما العنصران الأساسيان لقيام الأمة إذ يخلقان الشعور لدى الأفراد بأنهم يتميزون عن غيرهم مما يولد لديهم الرغبة في العيش المشترك، وهذا الشعور هو الذي جمع سكان الالزاس واللورين . وتأثر بهذه النظرية العديد من الشعوب ، كالشعب الايطالي والبولندي كما تأثر بها شعوب الدول الأوربية حديثة النشأة ، كالشعب الجيكوسلفاكي واليوناني واليوغسلافي .

ولكن ما يؤخذ على هذه النظرية ، إن اللغة والأصل المشترك عنصران هامان في تكون الدولة إلا أنهما ليسا العنصران الوحيدان لتكوينها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ظهرت عدة دول تتكلم عدة لغات ، فالأمة السويسرية مثلا تتكلم الألمانية والفرنسية و الايطالية والرومانشية ، ومثلها الأمة البلجيكية التي تتكلم الفرنسية والفلامندية ، هذا إضافة إلى أن هناك دول تتكلم لغة واحدة انفصلت عن بعضها وكونت دولة مستقلة كما في دول أمريكا اللاتينية التي انفصلت عن أسبانيا والبرتغال .

ولكن ما يؤخذ على هذه النظرية ، إن اللغة والأصل المشترك عنصران هامان في تكوين الدولة إلا أنهما ليسا العنصران الوحيدان لتكوينها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ظهرت عدة دول تتكلم عدة لغات ، فالأمة السويسرية مثلا تتكلم الألمانية والفرنسية والايطالية والرمانشية . ومثلها الأمة البلجيكية التي تتكلم الفرنسية والفلامندية ، هذا إضافة إلى أن هناك دول تتكلم لغة واحدة انفصلت عن بعضها وكونت دولة مستقلة كما في دول أمريكا اللاتينية التي انفصلت عن أسبانيا والبرتغال.

النظرية الماركسية : تقوم هذه النظرية في أساسها على العامل الاقتصادي ، إذ يرى القائلين بها إن المصلحة الاقتصادية اللولب المحرك وعنصر الارتكاز لقيام الأمة ، وعلى حسب هذه النظرية إن الأمة ، مجموعة مستقرة نشأت بفعل المصلحة الاقتصادية والتكوين النفسي الذي يظهر في الوحدة الثقافية .

ونرى إن العامل الاقتصادي ، عنصر لا يمكن إغفال في حياة الأفراد ، لكن هذا العامل قد يكون عنصر تنافر  أكثر من كونه عنصر تجمع واتحاد بفعل تعارض هذه المصالح ن هذا إضافة إلى أن العناصر المعنوية أكبر تأثيرا في الإنسان من العناصر المادية ، فمن المسلم به أن اللغة والمشاعر والعواطف والتاريخ المشترك، عوامل غالبا ما تدفع الأفراد إلى الوحدة ، إذ تهيأ لهم عناصر العيش المشترك.

الأمة والدولة :

كان المبدأ السائد في العهد الملكي المطلق في أوربا عامة ، وفي فرنسا خاصة ، عدم جواز الفصل بين الملك والدولة ، وعلى أثر قيام الثورة الفرنسية ، تم فصل الملك عن الدولة ، ووضعت الأمة مكان الملك استنادا لمبدأ سيادة الأمة ، وظهرت الفكرة القائلة بأن الدولة هي الأمة ، وساد الاعتقاد بأن الأمة هي التي تكون الدولة باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة.

وذهب الفقيه الفرنسي (مانشي) ومن بعده المدرسة الايطالية ، إلى أن الأمة هي ركن من أركان الدولة ، بحيث لا توجد دولة حيث لا توجد أمة ، وهذا الرأي صحيح حيث تؤلف الأمة الواحدة دولة واحدة ، لكنه يصبح غير مقبول إذا تكونت الأمة من عدة دول ، كما في الأمة العربية ، ويثار التساؤل فيما إذا كانت الأمة أو الدولة أسبق وجودا ؟ وللإجابة على هذا التساؤل طرحت ثلاث آراء:-

الرأي الأول : يذهب القائلون بهذا الرأي إلى أن الأمة ( الظاهرة الاجتماعية ) أسبق ظهورا من الدولة ( الظاهرة السياسية ) حيث  لا يظهر الدولة إلا نتيجة تفاعل أفراد الأمة في ظل ظروف معينة ، حتى يصل هذا التفاعل حدا تظهر معه الدولة كشخص معنوي مستقل ، من ذلك مثلا ظهور الدولة الألمانية والايطالية .

الرأي الثاني : يذهب أصاحب هذا الرأي إلى إن الدولة أسبق وجودا من الأمة ، ويدللون على رأيهم بالولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت ككيان سياسي وقانوني مستقل عام 1787، أما  الأمة الأمريكية لم تأخذ شكلها المتكامل ، إلا منذ عام 1918، ومثل هذا الأمر ينطبق على الدولة حديثة العهد بالاستقلال ، حيث لم تظهر هذه الدول إلا على أثر انحسار المد الاستعماري والتي شكلت فيما بعد أمم تجمعها القومية واللغة والتاريخ .

الرأي الثالث : مثل هذا الاتجاه الماركسيين المحدثين ، ويرى أصحاب هذا الاتجاه إن الأمة والدولة وجهان لنظام المجتمع، حيث يحتل رأس المال الجانب الاقتصادي ، وتمثل الدولة الجانب القانوني ، في حين تمثل الأمة الجانب الاجتماعي والسياسي .

والجدير بالذكر إن هدف كل أمة أن تصبح دولة استنادا لمبدأ القوميات ، إلا أن تحقيق هذا الهدف مرهون بالظروف والقوى السياسية التي تسيطر على العلاقات الدولية ، فقد أدى نجاح الثورة الفرنسية والحركات التحررية التي أعقبتها في القرن التاسع عشر إلى انتصار مبدأ القوميات واستقلال كثير من الشعوب عن الإمبراطوريات التي كانت تحكمها ومن ذلك استقلال بلدان أمريكا اللاتينية عن أسبانيا والبرتغال .

وتشترك الدولة والأمة في ركني الشعب والإقليم ، إلا أن ما يميز بين الاثنين ، هو ركن السلطة أو الهيئة الحاكمة، ففي الوقت الذي يلزم لقيام الدولة توافر ركن السلطة ، تنهض الأمة بمجرد توافر ركني الشعب والإقليم .

ويذهب جانب من الفقه ، إلى أن الدولة التي تضم أمم متعددة لابد أن ينتهي الحال بها إلى التفكك والانهيار أو الانصهار في أمم جديدة ، كما في الاتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا السابقة .

ونرى أن هذا الرأي محل نظر إذ أن تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وقفت وراءه أسباب سياسية منها الرغبة في تفرد الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة والتسيد على العالم وصولا إلى تطبيق سياسة القطب الواحد، وهذا ما يؤيده الواقع ، هذا إضافة إلى أن هناك العديد من الدول تضم أمم متعددة كانت وما زالت قائمة ويعيش الشعب في ظلها حياة سياسية هادئة ، وخير مثال على ذلك الاتحاد السويسري الذي ينتمي الشعب فيه إلى القومية الألمانية والفرنسية والايطالية .

المطلب الثاني : الإقليم

يمثل الإقليم النطاق الجغرافي الذي يستقر عليه الشعب ، وتمارس عليه الدولة سلطاتها وسيادتها على ذلك إن هناك تلازم جدلي بين وجود الدولة والإقليم ، فلا دولة دون إقليم ، من هنا لا ينطبق على البدو الرحل وصف الدولة وأن توفر فيهم ركنا الشعب والسلطة ، كونهم لا يستقرون في رقعة جغرافية محددة .

ويترتب على تحديد إقليم الدولة ، نتائج بالغة الأهمية ، إذ تتحدد سيادة الدولة في حدود إقليميها وتنتهي سيادتها مع نهاية إقليمها ، حيث تبدأ سيادة دولة أخرى، ويترتب على هذه النتيجة ، إن قانون الدولة واختصاصها القضائي يتحددان بإقليمها فقط ، وفي حدود هذا الإقليم تتحدد ثروات الدولة ومواردها الاقتصادية .

وأثارت مسألة تحديد إقليم الدولة وترسيم الحدود ، ومازالت تثير الكثير من الخلافات بين الدول من ذلك النزاع القطري البحريني ، الإيراني الإماراتي ، العراقي الإيراني ، البريطاني الأرجنتيني ، والفرنسي الألماني ، وما إلى ذلك من منازعات الحدود الأخرى .

ولا يشترط لتحقق ركن الإقليم توافر مساحة معينة ، فهذا الركن يتحقق سواء اتسعت مساحة الإقليم أم ضاقت ، ولكن يبدو أثر ذلك جليا في الثقل السياسي الذي تمثله الدولة في نطاق المجتمع الدولي والعلاقات السياسية ، فالثقل السياسي لإمارة اندورا التي لا تتجاوز مساحتها (450)كم ، أقل بكثير من الثقل السياسي للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية وشبه القارة الهندية والصين .

ويدخل في تكوين إقليم الدولة ، النطاق الأرضي وما يحيط به من مياه وما يعلوها من فضاء جوي، وعلى التفصيل التالي :-

الفرع الأول : الإقليم الأرضي

يضم الإقليم الأرضي ، مساحات اليابسة ، وما عليها من منشآت وما في باطنها من موارد إلى مركز الكرة الأرضية . ولا يشترط في إقليم الدولة الأرضي أن يكون متصل الأجزاء ، بل يمكن أن تفصل بين أجزاءه حدود طبيعية كالجبال والبحار والبحيرات والأنهار ، أو مصطنعه كالأسلاك الشائكة مثلا ، بل أن ركن الإقليم يتحقق وإن كان يفصل بين أجزاءه أراضي دولة أخرى ، فوحدة الإقليم قائمة في الباكستان الذي كان يفصل بين قسميه الشرقي والغربي أرضي الهند ، ومثل هذا الأمر ينطبق على اليابان وإندونيسيا والولايات المتحدة الأمريكية التي يفصل بين أرضيه جبال الاورال .

وعندي تعيين الإقليم الأرضي ، يميز الفقه الأنجلو *** وني بين التخوم ( حدود الأرض) والثغور، فالتخوم هي الخطوط التي تحدد المدى الذي يمتد إليه إقليم الدولة ، أما الثغور هي مساحة من الأرض تترك كفاصل بين إقليمين وحاجزا بينهما ، كما تستخدم كمناطق اتصال انتقالي وتحدد باتفاق الدولتين المعنيتين.

الفرع الثاني : الإقليم المائي

ويضم الإقليم المائي مسارات المياه التي تتخلل إقليم الدولة ، من أنهار وبحار وبحيرات ، وللدولة السيادة الكاملة على هذه المسارات متى كانت واقعة ضمن حدودها

وأثار إقليم الدولة المائي الممتد بين عدة دول أو الذي يقطع عدد منها ، ومازال يثير الكثير من الخلافات بين الدول، وجرى العمل على حسم هذه المنازعات عن طريق المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، وعلى التفصيل التالي :-

أولا : الأنهار

يميز فقه القانون الدولي بين الأنهار الوطنية والدولية ، فالنهر الوطني ،هو الذي يجري بأكمله من منبعه إلى مصبه داخل إقليم الدولة ، كنهر التايمز في بريطانيا، وتخضع هذه الأنهار لسيادة الدولة التي يقطعها .

أما النهر الدولي ، فهو النهر الذي يقطع أكثر من دولة أو يقع على الحدود بين دولتين أو أكثر ، كنهر دجلة والفرات والنيل ، وأثارت هذه الأنهار العديد من الخلافات الدولية ، وكوسيلة لمعالجة وضعها القانوني طرحت عدة أراء :-

الرأي الأول: قال بهذا الرأي الفقه التقليدي ، الذي نادى بالسيادة المطلقة  للدولة على الجزء الذي يمر بإقليمها ، إلا أن هذه الفكرة أصبحت مهجورة في ظل شيوع مبدأ التضامن الدولي .

الرأي الثاني: ظهر هذا الرأي على أثر العزوف عن الرأي الذي قال به الفقه التقليدي ، ويذهب أنصار هذا الرأي ، إلى أن سيادة الدولة على جزء النهر الذي يمر بها محكوم بعدم إحداث تغيير في الظروف الطبيعية لجريانه .

الموقف الدولي : جرى العمل بين الدول على أن حق الدولة في الاستعمال المشترك والكامل للنهر ، لا يحكمه إلا شرط عدم الأضرار بمصالح الدول الأخرى ، وهو ما يطلق عليه الاستعمال البريء ، ومثل هذا الحل أخذت به سوريا والأردن بشأن تنظيم الانتفاع المشترك بنهر اليرموك ن كما أخذت به مصر والسودان سنه 1959 بشأن تنظيم الانتفاع المشترك بنهر النيل وأخذت به الهند و الباكستان سنة 1960 ، بشأن تنظيم الانتفاع بنهر الهندوس .

ثانيا : البحار المغلقة

يقصد بالبخار المغلقة ، أما البحار التي لا تصل بالبحر العام كالبحر الميت , أو التي تتصل به عن طريق مضيق كبحر البلطيق .

وتأخذ البحار المغلقة التي لا تتصل بالبحر العام حكم البحار الوطنية التي تقع بكاملها داخل حدود الدولة , حيث تخضع لسيادة الدولة بصورة كاملة باعتبارها جزءا من إقليمها .

أما البحار المغلقة التي تتصل بالبحر العام بمضيق أو تمر بإقليم أكثر من دولة فتأخذ حكم أعالي البحار، أي أن كل دولة تمارس السيادة فيها على سفنها التي تبحر تحت علمها .

ثالثا : البحر الإقليمي

البحر الإقليمي ، شريط من البحر خاضع لسيادة الدولة وملاصق لسواحلها ومياهها الداخلية أو لسواحلها ومياهها الأرخبيلية ، إذا كانت من قبيل الدول الأرخبيلية .

وأثار تحديد سيادة الدولة على البحر الإقليمي خلافا فقهيا دوليا طويلا ، وظهرت أول محاولة لرسم حدود البحر الإقليمي في القرن الرابع عشر ، حيث حدد البحر الإقليمي بأقصى مدى الأبصار في يوم مشرق ، وأقترح الفقيه الهولندي (بنكر شكوك ) في القرن الثامن عشر امتداد البحر الإقليمي إلى المدى الذي تستطيع فيه الدولة حمايته بواسطة المدافع التي تقيمها على شواطئها ، وكان أقصى مدى للمدافع آنذاك (3) أميال بحرية ، وتنبت العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية هذا التحديد ، ومن بينها معاهدة القسطنطينية الخاصة بقناة السويس سنة 1888، والمعاهدة التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان سنة 1929.

إلا أن هذا التحديد لم يكن ملزما للدول ، بسبب عدم الاتفاق عليه بموجب معاهدة أو اتفاقية عامة من هنا تباينت مواقف الدول في تحديد مدى بحرها الإقليمي ، فحددته السويد بأربع أميال بحرية، وحددته يوغسلافيا السابقة بعشر أميال بحرية ، وحددته غالبية الدول العربية باثني عشر ميلا بحريا ، وظل موقف الدول بشأن هذه المسألة مشوبا بالتردد وعدم الوضوح حتى عام 1982، حيث حدد في هذه السنة بموجب اتفاقية جاميكا عرض البحر الإقليمي بمدى لا يتجاوز (12) ميلا بحريا ، فقد نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على أن (كل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا مقيسة من خطوط الأساس المقررة وفقا لهذه الاتفاقية ).

رابعا : المنطقة المتاخمة

المنطقة المتاخمة ، هي منطقة من البحر تمارس الدولة فيها بعض الاختصاصات ( القوانين الضريبية ، الجمركية ، الهجرة ، الصحة ) ولا يترتب على امتداد سلطة الدولة إلى تلك المنطقة أن تصبح خاضعة لسيادتها بل تبقى محتفظة بوصفها الأصلي .

وكانت المادة (23) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 قد نصت على :-

  1. للدولة الساحلية في منطقة متاخمة لبحرها الإقليمي تعرف بالمنطقة المتاخمة أن تمارس السلطة اللازمة ل :
  • منع خرق قوانينها وأنظمتها الجمركية أو الضريبية أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة داخل إقليمها أو بحرها الإقليمي .
  • المعاقبة على أي خرق للقوانين والأنظمة المذكورة أعلاه حصل داخل إقليمها أو بحرها الإقليمي .

 

خامسا: المنطقة الاقتصادية الإستئثارية

منطقة تمتد من البحر الإقليمي والمنطقة المجاورة إلى مسافة ( 200) ميل بحري ، ورغم أن المنطقة الاقتصادية لا تدخل أصلا في إقليم الدولة ، إلا إن المجتمع الدولي أتفق على منح الدولة الساحلية مسافة أخرى في عمق البحر بعد المياه الإقليمية والمنطقة المجاورة تمارس عليها الحقوق السيادية التالية :-

  1. استكشاف واستغلال الموارد الحية وغير الحية للمياه التي تعلو قاع البحر وباقي الأرض وحفظ هذه الموارد وإدارتها .
  2. إقامة واستعمال الجزر الصناعية والمنشآت والتركيبات .
  3. البحث العلمي البحري
  4. حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها

 

 

الفرع الثلث : الإقليم الجوي

يمثل الإقليم الجوي العنصر الثالث من عناصر إقليم الدولة ، ويمتد الإقليم الجوي ليشمل الفضاء الخارجي الذي يعلو الإقليمين البري والمائي .

ومر تنظيم الإقليم الجوي بعدة مراحل ، من حيث استغلاله وسيادة الدولة عليه ، وتأثر هذا التنظيم بمدى التطور الذي وصل إليه الاستغلال الجوي ، ففي بادئ الأمر أتجه الرأي إلى عدم تقرير سيادة الدولة على ما يعلو إقليمها البري والمائي بشكل مطلق ، وترك الفضاء الجوي حرا للاستغلال من قبل مختلف الدول قياسا على حرية الملاحة في أعالي البحار ، وبهذا الرأي أخذ معهد القانون الدولي سنة 1906، وأستند أصحاب هذا الاتجاه فيما ذهبوا إليه على أساس إن الدولة غير قادرة على السيطرة على فضائها الجوي .

وواجه هذا الرأي انتقادات شديدة ، كونه يعرض أمن الدولة وسيادتها للخطر ، ويبدو هذا الخطر أكثر وضوحا على الدول الصغيرة منها على الدول الكبيرة .

وإزاء الانتقادات التي وجهت لأنصار الاتجاه السابق، تبنى الفقه رأي أخر يقضي بامتداد سيادة الدولة إلى ما يعلو إقليمها من فضاء جوي يمتد في حده الأقصى إلى (300)م ، ويمثل هذا الارتفاع أعلى عمود لا سلكي ، ويوجد هذا الرأي أساسه ، في تقسيم البحر إلى بحر إقليمي خاضع لسيادة الدولة ، وبحر عام مفتوح للملاحة الحرة لجميع الدول .

وفي تطور لاحق أقترح المفكر الأمريكي ( جان كوبر ) تقسيم الفضاء الجوي إلى :-

  1. منطقة حرة : وهي منطقة تصلح للملاحة الحديثة ، ويمتد إلى أعلى ارتفاع تصل إليه الطائرة وتخضع هذه المنطقة للسيادة المطلقة للدولة .
  2. منطقة الجو الإقليمي : وتمتد إلى (300) ميل فوق سطح البحر وتمارس الدولة السيادة عليها مع عدم الإخلال بحق المرور البريء ، وأطلق على هذه المنطقة الفضاء المجاور.
  3. منطقة الجو الحر: هي المنطقة التي تعلو (300) ميل فوق سطح البحر ، ويكون فيها الفضاء الجوي حرا ، ولكن ما يلاحظ على هذا التقسيم أنه نظري أكثر منه واقعي إذ لا يمكن تحديد الارتفاع الذي تحلق فيه الطائرة أو المركبة الفضائية .

وإزاء ذلك ظهر اتجاه يدعو إلى سيادة الدولة المطلقة على جميع طبقات الهواء التي تعلو إقليمها ، وقاس أصحاب هذا الاتجاه ما ذهبوا إليه على القاعدة المتداولة في القانون المدني والتي تقضي بان ملكية الأرض تشمل السفلي والعلوي ، وما يؤخذ على هذا الرأي أنه يحقق للدولة أمنها ويضمن سلامتها ، إلا أنه يعيق حركة الملاحة الجوية ، كما أنه من المتعذر تحديد مناطق سيادة في الفضاء الجوي على غرار الإقليمين الأرضي والمائي .

وتيسيرا للملاحة الجوية اتجهت الدول إلى إبرام الاتفاقيات الثنائية والجماعية ، ومن بين هذه المعاهدات ، معاهدة باريس لسنة 1919، واتفاقية هافانا لسنة 1928، ومعاهدة شيكاغو لسنة 1944.

المطلب الثالث : السلطة

لا يكفي لقيام الدولة استقرار مجموعة من الأفراد على إقليم معين ، بل يلزم لذلك خضوع الأفراد لسلطة عليا يأتمرون بأوامرها وينتهون بنواهيها ، وتعبيرا عن أهمية دور السلطة في الدولة ، ذهب جانب من الفقه إلى تعريف الدولة بالسلطة ، غير إن هذا الرأي محل نظر ، إذ أن السلطة ظهرت قبل الدولة ، وتطورت مع المجتمعات فضلا عن إن الدولة تضم إلى جانب السلطة ، الشعب والإقليم .

وتأتي أهمية السلطة من كونها وسيلة الدولة لانجاز مهامها وواجباتها الداخلية والخارجية ، من هنا يثار التساؤل هل يشترط في السلطة اقترانها بموافقة ورضا الشعب ؟ انقسم رأي الفقه بشأن هذه المسألة إلى اتجاهين ، ذهب الاتجاه الأول إلى أن ركن السلطة يتحقق وتنهض الدولة بمجرد انقسام المجتمع إلى حاكم ومحكوم ، بغض النظر عن رضا أو عدم رضا المحكوم بالحاكم ، فالرضا ليس ركن من أركان الدولة ، وليس شرطا لتحقق معنى السلطة .

أما الاتجاه الثاني ، فيرى إن رضا المحكوم بسلطة الحاكم شرط لا غنى عنه ، لقيام الدولة وتحقق ركن السلطة ، وبغير ذلك تتحول السلطة ، من سلطة رسمية إلى سلطة فعلية ، وهذا ما يتعارض ومفهوم الدولة بالمعنى الحديث .

ونرى إن الرأي الأول أقرب إلى الواقع ، إذ أن ركن السلطة يتحقق بمجرد انقسام المجتمع إلى حاكم ومحكوم ، أما رضا الشعب بالسلطة فهو أمر يتعلق بطبيعة السلطة ، كونها شرعية أو فعلية ، هذا من جانب ومن جانب أخر، إن أثر الرضا يظهر جليا في مدى الاستقرار الداخلي للدولة ، حيث إن السلطة الفعلية وضع استثنائي مآله الزوال، وغالبا ما يلجأ الشعب إلى الثورة أو الانقلاب لإحداث التغيير ، وما يؤكد ما نذهب إليه عدم الاستقرار السياسي الذي يسود قارتي أمريكا اللاتينية وأفريقيا ، حيث وصل غالبية حكام هاتين القارتين إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية .

والجديد بالذكر إن شرعية السلطة لا تتعارض مطلقا واستخدامها القوة إذ أن استخدام القوة المتوازنة أمر لا غنى عنه لإقامة النظام وممارسة السلطة وحماية الشعب من المخاطر التي تتهدده من الخارج والداخل .

المطلب الرابع : الاعتراف

أثارت طبيعة الاعتراف بالدولة الجديدة كونها ذات صفة إقراريه أم إنشائية خلاف فقهيا وأنقسم الرأي بشأنها إلى اتجاهين مثل الاتجاه الأول، أصحاب المذهب الكلاسيكي الذين يرون إن الاعتراف إجراء سياسي لا يمكن بدونه قيام الدولة كشخص قانوني لها كيانها المستقل وساد هذا الرأي في فقه القانون الدولي والدستوري حتى أواخر القرن التاسع عشر .

أما الاتجاه الثاني فيرى أن الاعتراف إجراء قانوني لا حق لنشأت الدولة ولا علاقة له بتكوينها كحدث قانوني جديد وبالتالي فهي تظهر بمجرد توافر الأركان الثلاثة ( الشعب – الإقليم – السلطة ) على ذلك يعد الاعتراف حسب هذا الاتجاه ذا صفة إقراريه لا إنشائية يترتب عليه فقط إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولة المعترفة والمعترف بها .

والاعتراف إجراء تمليه في أغلب الأحيان عوامل سياسية واقتصادية وأيديولوجية باعتبار أن عدم الاعتراف بالدولة الجديدة أمر من شأنه  الأضرار بالعلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية لاسيما إذا حصلت الدولة الجديدة على اعتراف باقي الدول واستقرت كشخص قانوني مستقل .

الكاتب: nibal بتاريخ: الثلاثاء 18-12-2012 07:38 مساء  الزوار: 12784    التعليقات: 0



محرك البحث
الحكمة العشوائية

لا تشكون إلى خلق فتشمته *** شكوى الجريح إلى الغربان والرخم. ‏
تطوير تواصل بإستخدام برنامج البوابة العربية 3.0 Copyright©2012 All Rights Reserved